المملكة العربية السعودية- تحولات استراتيجية نحو دور عالمي محوري

المؤلف: هيلة المشوح09.20.2025
المملكة العربية السعودية- تحولات استراتيجية نحو دور عالمي محوري

شهدت المملكة العربية السعودية في الأعوام القليلة الماضية تحولات جذرية وهيكلية، نقلتها من موقع القوة الإقليمية المؤثرة إلى دور الفاعل المحوري في صياغة معالم النظام الدولي الجديد، معتمدةً في ذلك على قوتها الاقتصادية المتنامية، ودورها السياسي الرصين والمتزن، ورؤيتها المستقبلية الطموحة والملهمة. فالمملكة اليوم تمثل نقطة ارتكاز أساسية في موازين الاقتصاد والسياسة على الصعيد العالمي، وذلك من خلال تعزيز هاتين الركيزتين الحيويتين عبر مبادرات تنموية شاملة، وتحركات دبلوماسية محنّكة، ومساهمات فعّالة في صياغة التحولات الكبرى التي يشهدها العالم في شتى الميادين والمجالات.

تتبوأ المملكة العربية السعودية مكانة اقتصادية مرموقة وعريقة، فهي تعد من أكبر الدول المنتجة والمصدرة للنفط في العالم، وتمتلك تأثيراً كبيراً في منظمة «أوبك» وفي أسواق الطاقة العالمية، كما أنها حجر الزاوية في تحالف «أوبك+» الذي نجح في إدارة مستويات الإنتاج بهدف تحقيق الاستقرار في أسعار النفط، لا سيما خلال أزمة جائحة كورونا وما تبعها من تداعيات وتحولات عالمية، الأمر الذي جنّب العالم أزمات اقتصادية أشد وطأة. لذلك، تتبوأ السعودية مركزاً قيادياً بصفتها أكبر اقتصاد في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، ومن بين أكبر عشرين اقتصاداً على مستوى العالم كعضو فاعل في مجموعة العشرين (G20)، حيث تمتلك وتسيطر على حصة كبيرة من احتياطيات وإنتاج النفط العالمي، وذلك عبر شركة «أرامكو»؛ التي تعد أكبر شركة طاقة في العالم من حيث القيمة السوقية والإنتاج. أما الصندوق السيادي السعودي، المعروف بـ (صندوق الاستثمارات العامة)، فقد بات يشكل قوة استثمارية ضخمة، ويصنف كواحد من أكبر الصناديق الاستثمارية السيادية في العالم. وعلى الصعيد السياسي، تضطلع المملكة بدور حيوي وفاعل على الصعيد الإقليمي، حيث تبذل جهوداً حثيثة لتحقيق السلام في كل من اليمن والسودان، كما أنها تمثل مرجعية هامة وموثوقة للعديد من الدول العربية والإسلامية، سيما في القضايا والملفات الحساسة مثل قضية القدس، بالإضافة إلى إطلاق مبادرات فاعلة لدعم الاستقرار في لبنان والعراق وسوريا، وكذلك التصدي للتطرف بجميع أشكاله والعمل على فض النزاعات الإقليمية. علاوة على ذلك، أسهمت المملكة بثقلها السياسي في مساعي التهدئة والحل للأزمة الروسية الأوكرانية، وذلك من خلال استضافتها للقمة التاريخية في جدة التي جمعت ممثلين عن عشرات الدول الكبرى. وقد نجحت المملكة في الحفاظ على علاقات متوازنة وقوية مع مختلف الأطراف الدولية، سواء الشرق أو الغرب، مرتكزةً في ذلك على استقلالية القرار السياسي وأخذ المصالح الوطنية في الحسبان، لتصبح الرياض اليوم لاعباً محورياً ورئيسياً في رسم ملامح النظام الإقليمي الجديد، من خلال إقامة تحالفات دبلوماسية فاعلة ودعم الاستقرار السياسي في محيطها الإقليمي، ممارسةً دوراً محورياً في قضايا الاستقرار الإقليمي وشراكة إستراتيجية راسخة مع العديد من القوى الكبرى.

وقد صدر في نهاية الأسبوع الماضي التقرير السنوي الخاص بـ «رؤية السعودية 2030‬⁩» لعام 2024، والذي تضمن عرضاً تفصيلياً للإنجازات الكبيرة التي تحققت منذ إطلاق الرؤية الطموحة التي تسعى إلى إحداث تحول جذري في اقتصاد المملكة وتعزيز مكانتها العالمية في مختلف المجالات الحيوية، كالتقنية المتقدمة، والسياحة الجاذبة، والطاقة المتجددة النظيفة، بالإضافة إلى خفض معدلات البطالة وتحقيق ارتفاعات إيجابية في العديد من المؤشرات الأخرى. وقد عكس التقرير السنوي لرؤية السعودية 2030 صورة واضحة المعالم لمشروع وطني عملاق وواعد، تتجاوز تأثيراته الإيجابية حدود الداخل السعودي لتشمل المنطقة والعالم بأسره، الأمر الذي يعزز مكانة المملكة كلاعب رئيسي ومؤثر في رسم ملامح الاقتصاد والسياسة في مرحلة ما بعد النفط، ويرسخ القناعة الدولية بأن السعودية تتحول، بخطوات مدروسة وواثقة، إلى قوة عالمية صاعدة ومؤثرة في القرن الحادي والعشرين.

سياسة الخصوصية

© 2025 جميع الحقوق محفوظة